زلزال اليونان 2025 – حين اهتزّت الأرض وانكشف الهشّ

 

 زلزال اليونان 2025 – حين اهتزّت الأرض وانكشف الهشّ

📍 أثينا | تقرير خاص

في الساعة 2:47 من فجر يوم الإثنين 12 مايو 2025، دوّى انفجار صامت في أعماق الأرض قبالة الساحل الجنوبي لليونان. لم تكن صافرات الإنذار قد انطلقت بعد، حين اهتزّت الأرض بقوة 7.3 درجات على مقياس ريختر، لتوقظ الملايين على فاجعة زلزالية هي الأعنف منذ أكثر من عقدين.

في غضون 45 ثانية فقط، انهارت مبانٍ تاريخية، تصدّعت جسور، وانقطع التيار الكهربائي عن مناطق واسعة من البلاد. لم تكن أثينا مركز الهزة، ولكن آثار الزلزال امتدت لتطالها، كما امتدت إلى جزر بحر إيجه وأجزاء من تركيا المجاورة.

هذا المقال يوثّق التسلسل الزمني للكارثة، ويرصد تبعاتها على الأرض والناس، من شهادات حية إلى تحليلات جيولوجية، وصولًا إلى مستقبل اليونان في مواجهة الطبيعة الغاضبة.

التسلسل الزمني للكارثة: من السكون إلى الانهيار

🔹 ما قبل الزلزال: إشارات لم تُلتقط

قبل أيام من الزلزال، لاحظ بعض سكان مدينة كالاماتا على الساحل الجنوبي الغربي للبلاد، ظواهر غير مألوفة: تصاعد في الروائح الكبريتية من الشواطئ الصخرية، أصوات طنين تحت الأرض، ونفوق مفاجئ لبعض الأسماك في خليج ميسينيا.
لكن هذه الإشارات لم تُسجّل رسميًا، ولم تُعتبر دالة على خطر داهم.

"شعرت أن شيئًا غريبًا في الجو... لم يكن طبيعيًا،" تقول ماريا ستاثوبولوس، مدرسة تقاعدت مؤخرًا، وتعيش في ضاحية ساحلية قريبة من مركز الزلزال. "لم أستطع النوم، كانت هناك طاقة في الهواء لا تفسير لها."

🔸 أثناء الزلزال: ثوانٍ من الرعب

عند الساعة 2:47 صباحًا، اهتزّ البحر أولًا، ثم الأرض.
سُجّلت أولى الموجات الزلزالية على عمق 14 كيلومترًا تحت بحر إيجه، على بُعد 80 كم جنوب شرق كريت، قبل أن تنتشر في شكل حلقات متلاحقة نحو اليابسة.

في أقل من دقيقة، انهارت أبنية عمرها أكثر من 100 عام في مدن مثل هيراكليون، تشقّقت الطرق، وتوقفت حركة القطارات.
كاميرات المراقبة في الميناء رصدت مشهدًا مرعبًا: سفن تهتز في المراسي، وأمواج خفيفة بدأت تتراكم على غير عادتها.

"كنت على بُعد 30 كيلومترًا من مركز الزلزال، في بيت من طابقين. فجأة أصبحت الأرض موجة،" يروي نيكوس ديميترياديس، أحد الناجين من بلدة أغيوس نيكولاوس. "لم أسمع شيئًا سوى تكسير الزجاج، وصراخ أمي التي لم أستطع الوصول إليها لعدة دقائق."

🔻 بعد الزلزال: فوضى، ثم صمت ثقيل

مع انقطاع الكهرباء والاتصالات، سادت حالة من الفوضى في اللحظات الأولى. هرع الناس إلى الشوارع، بعضهم حافي القدمين، حائرين بين الخوف والذهول.
قوات الحماية المدنية لم تستطع التحرك فورًا بسبب الانهيارات الأرضية التي أغلقت الطرق الجبلية المؤدية إلى المناطق المتضررة.
أُعلنت حالة الطوارئ في خمس مقاطعات، وطلبت الحكومة الدعم من آلية الحماية المدنية الأوروبية.

ولم تمضِ ساعات حتى بدأت الكارثة تكشف عن عمقها...

🗣️ شهادات من قلب الكارثة: "ركضنا إلى الخارج حفاة ومرعوبين"

في بلدة "باليكاسترو" بجزيرة كريت، وهي الأقرب لمركز الزلزال، تحوّل حي كامل إلى ركام في أقل من دقيقة.
تروي إيلينا مارينوس، وهي أم لطفلين:

"كنت أُرضع ابنتي عندما اهتزّ كل شيء. الجدران بدأت تتشقق أمام عيني. لم أفكر سوى في الخروج من المنزل. تركت كل شيء وركضت، حافية، في ظلام دامس".

وفي مشفى هيراكليون الجامعي، يقول الدكتور يانيس كافالوس، الذي استُدعي من منزله فورًا:

"وصل أول جريح بعد 20 دقيقة. ثم تدفق العشرات. معظمهم مصابون من جراء سقوط الحجارة والزجاج، وبعضهم في حالة صدمة عصبية تامة. حتى نحن الأطباء كنا نكافح لنظل متماسكين".

أما فاسيليس كورونيس، وهو رجل إطفاء شارك في عمليات الإنقاذ، فيروي:

"كان علينا الحفر بأيدينا في بعض الأماكن. المعدات لم تكن تصل. كنا نسمع أصواتًا من تحت الأنقاض… بعضها تلاشى قبل أن نتمكن من الوصول."

🧱 الأضرار الكارثية: بين الخراب والصمود

وفقًا لتقرير أولي صادر عن وزارة الداخلية اليونانية:

  • 83 مبنى انهار كليًا في جزيرة كريت.
  • أكثر من 1400 مبنى تضرر بشكل جزئي أو أصبح غير آمن للسكن.
  • 6 مستشفيات تضررت، أحدها خرج عن الخدمة بالكامل.
  • ثلاثة جسور انهارت جزئيًا، وأُغلقت طرق حيوية في جنوب البلاد.
  • انقطاع تام للكهرباء والاتصالات في أربع بلدات لأكثر من 18 ساعة.

الخسائر المادية قُدّرت مبدئيًا بأكثر من 2.4 مليار يورو، بحسب بيانات وزارة الاقتصاد.
لكن الأضرار النفسية والاجتماعية كانت أكبر بكثير.

"ابني لا ينام حتى اليوم،" تقول سيدة من ضاحية هانداكا. "كلما سمع صوت شاحنة، يعتقد أن زلزالًا جديدًا قادم."

🛑 استجابة الدولة والمجتمع الدولي: تعبئة عاجلة ولكن محدودة

أعلنت الحكومة اليونانية حالة الطوارئ فورًا، وشُكلت خلية أزمة ضمّت وزارات الداخلية، الدفاع، الصحة، والنقل.
تم استدعاء أكثر من 1200 عنصر من فرق الإنقاذ والإطفاء، كما تم نشر الجيش لتأمين المناطق المتضررة.

المساعدة الدولية لم تتأخر:

  • فرنسا وألمانيا أرسلتا فرق إنقاذ معززة بكلاب مدربة.
  • المفوضية الأوروبية فعّلت آلية الدعم الإنساني.
  • تركيا، رغم التوترات السياسية، عرضت المساعدة وقدّمت شحنة من الخيام والمولدات.

رئيسة الوزراء اليونانية "إيريني ذيميتراكو" صرّحت في خطاب وطني بعد 48 ساعة من الزلزال:

"الزلزال اختبر قدرتنا على الصمود والتكاتف، وسننهض من تحت الأنقاض أقوى."

رغم هذه الجهود، وجّه البعض انتقادات شديدة لبطء الاستجابة في بعض المناطق النائية، خصوصًا في جزيرة كارباثوس.

🌍 خلفية جيولوجية: لماذا الزلازل شائعة في اليونان؟

اليونان تقع على ما يُعرف بـ"الحزام الزلزالي الشرقي للبحر المتوسط"، حيث تتلاقى الصفيحتان التكتونيتان الإفريقية والأوراسية.
وهو ما يجعل البلاد واحدة من أكثر المناطق زلزالية في أوروبا.

الدكتور ألكسيوس كراماتيس، أستاذ الجيولوجيا في جامعة أثينا، يوضح:

"الزلزال الأخير لم يكن مفاجئًا من حيث الموقع، لكن شدته كانت غير متوقعة. الهزة وقعت نتيجة انزلاق عكسي مفاجئ على صدع غير نشط نسبيًا".

يُذكر أن آخر زلزال بنفس الشدة ضرب البلاد عام 1999 وأسفر عن أكثر من 140 قتيلًا في أثينا.

💰 التأثيرات الاقتصادية والاجتماعية: ما بعد الصدمة

💸 اقتصاديًا:

  • تعطلت الحركة التجارية في كريت بنسبة 80% لخمسة أيام.
  • ارتفعت أسعار بعض السلع بسبب تضرر سلاسل التوريد.
  • الحكومة بدأت بدراسة إصدار "سندات زلزالية" لتعويض المتضررين.

🧠 اجتماعيًا ونفسيًا:

  • آلاف الأطفال لم يعودوا إلى مدارسهم بسبب تضرر المباني.
  • حالات القلق واضطرابات النوم ارتفعت بنسبة 35% في المناطق المتضررة، وفق تقارير نفسية ميدانية.
  • المنظمات غير الحكومية بدأت حملات دعم نفسي عاجلة.

📌 الدروس المستفادة والتحديات القادمة

رغم أن الدولة اليونانية أبدت مرونة في مواجهة الأزمة، إلا أن هذا الزلزال فضح هشاشة البنية التحتية، خصوصًا في القرى والأحياء القديمة.
كما أنه أعاد فتح النقاش حول الحاجة إلى:

  • تحديث كود البناء الوطني.
  • فرض فحوصات دورية على المباني العامة.
  • توسيع أنظمة الإنذار المبكر.
  • تعزيز برامج التوعية المجتمعية والاستعداد للكوارث.

"الزلزال لم يقتل فقط، بل كشف ما هو معرّض للانهيار منذ زمن"، تقول الصحفية ماريا باباثاناسيو في افتتاحية بجريدة كاثيميريني.

🧭  أرض تتكلم… فهل نُصغي؟

الزلزال الذي ضرب اليونان في 12 مايو 2025 لم يكن مجرد كارثة طبيعية؛ بل اختبار قاسٍ لقدرتنا على الاستعداد، والتعلم، وإعادة البناء.
فبين الأنقاض والألم، هناك فرصة لإعادة النظر في كل ما نعتبره "ثابتًا"... من المباني إلى السياسات.
إنها ليست نهاية، بل بداية فصل جديد في علاقة البشر بالأرض التي يعيشون عليها.

🔄 توسعة المحاور النهائية – زلزال اليونان 2025

🏘️ الحياة اليومية بعد الزلزال: كيف تأقلم الناس مع الواقع الجديد؟

بعد مرور أسبوع على الزلزال، بدأت مظاهر الحياة تعود تدريجيًا في بعض المناطق، بينما ظلت مناطق أخرى ترزح تحت الأنقاض والركام.

في مراكز الإيواء المؤقتة، والتي نُصبت في ملاعب ومدارس، تنظم الجمعيات الخيرية وجبات ساخنة وتوزيع البطانيات. الأطفال يجدون مساحة للعب، لكن آثار الفاجعة لم تغب عن ملامحهم.

"لم أعد أعرف إن كنا سنعود إلى بيتنا أم لا،" يقول طفل في التاسعة من عمره، يلف بطانية زرقاء حول جسده في مخيم "أغيوس".

في الأحياء المتضررة، يتنقل المواطنون بحذر بين منازلهم المتصدعة لإنقاذ ما يمكن إنقاذه من الأوراق والممتلكات.
البلديات وزعت ملصقات على المباني لتحديد حالتها: أخضر (آمن)، أصفر (قابل للترميم)، وأحمر (غير صالح للسكن).
لكن العديد من السكان، بدافع الخوف من فقدان ممتلكاتهم أو بدافع العوز، رفضوا مغادرة منازل مهددة بالانهيار.

الأسواق المحلية شهدت تغيرًا حادًا في نمط الشراء: ازدياد في طلب الخيام، معدات الطوارئ، المولدات الكهربائية، ومياه الشرب المعلبة.
المصارف أعلنت عن تأجيل أقساط القروض العقارية لمدة ثلاثة أشهر في المناطق المنكوبة، لكن الخبراء يعتبرون ذلك غير كافٍ.

📡 الإعلام والتواصل: بين المسؤولية والإثارة

غطت وسائل الإعلام اليونانية الحدث بكثافة، لكن البعض وجّه انتقادات لبعض القنوات التي انزلقت إلى "الدراما الزلزالية" لجذب المشاهدين.
تم تداول مشاهد مفزعة من كاميرات المراقبة وأجهزة المحمول على نطاق واسع، بعضها حقيقي وبعضها مفبرك.

الحكومة دعت إلى "الإعلام المسؤول" وأطلقت منصة رسمية توحد البيانات والنداءات الرسمية، لتفادي الشائعات التي انتشرت حول "توابع مدمرة" أو "كارثة تسونامي وشيكة" لم تحدث قط.

وفي مواقع التواصل الاجتماعي، لعب المواطنون دورًا محوريًا في التبليغ عن الضحايا، وتحديد مواقع العالقين، بل وتنظيم الدعم الإنساني عبر تطبيقات الخرائط التفاعلية.

🌐 مقارنة دولية: ماذا يمكن أن نتعلم من تجارب مشابهة؟

للمقارنة، تعرّضت تركيا عام 2023 لزلزال مماثل بقوة 7.4 درجات، خلّف أكثر من 11 ألف قتيل. ورغم الفارق في عدد الضحايا بين الحالتين، إلا أن القاسم المشترك هو هشاشة البنية التحتية في المدن القديمة وعدم جاهزية الإنقاذ الفوري في الأطراف.

اليابان، في المقابل، تواجه زلازل أقوى دون هذا الكم من الدمار، بسبب نظام إنذار مبكر دقيق، ومناهج تعليمية تُدرّس الأطفال كيف يتصرفون أثناء الزلزال، بالإضافة إلى كود بناء صارم يُطبق بلا استثناء.

"ليست المشكلة في الزلازل، بل في استعدادنا لها،" يقول عالم الزلازل الفرنسي جان بول لوفيير.
"زلزال اليونان كان جرس إنذار ليس فقط لأثينا، بل لكل المدن الساحلية في المتوسط."

🏗️ إعادة الإعمار: الحاجة إلى رؤية لا تعويض

من المتوقع أن تستغرق عمليات إعادة الإعمار من 18 إلى 24 شهرًا، حسب تقديرات وزارة البنية التحتية اليونانية.
وقد خصصت الحكومة ميزانية طوارئ بقيمة 1.1 مليار يورو لبدء المرحلة الأولى من الإعمار، تشمل:

  • إزالة الأنقاض.
  • فحص الأبنية العامة.
  • بناء وحدات سكنية مؤقتة.
  • إعادة تشغيل المستشفيات والمدارس.

لكن التحدي الأكبر ليس في التمويل، بل في التخطيط. فالمدن التي تضررت تحتاج إلى تخطيط حضري جديد يراعي احتمالات الكوارث المستقبلية.
العديد من المهندسين يطالبون بـ"فرصة لإعادة البناء لا مجرد الترميم"، كما ورد في ورقة بحثية صادرة عن كلية الهندسة في جامعة باتراس.

📚 في ذاكرة الزلازل: هل ننسى سريعًا؟

المجتمع اليوناني مرّ بعدة زلازل خلال العقود الماضية، لكن سرعان ما تطغى الحياة اليومية على الذاكرة الجمعية.
يقول المؤرخ "ديميتريوس باناجيوتوبولوس":

"أخطر ما في الكوارث ليس الزلزال نفسه، بل النسيان. إذا لم تتحول التجربة إلى ذاكرة مؤسسية وقانونية، سنبقى ندفع الثمن في كل مرة."

لهذا السبب، دعت منظمات المجتمع المدني إلى:

  • تخصيص يوم وطني للتوعية بالزلازل.
  • إضافة مادة "الاستعداد للطوارئ" إلى المناهج المدرسية.
  • إنشاء "متحف الزلازل" لتوثيق الأحداث الكبرى وتثقيف الأجيال القادمة.

📌 الخاتمة الموسعة: عندما تتكلم الأرض... لا مجال للغفلة

زلزال اليونان لم يكن مجرد حركة أرضية عنيفة. لقد كان كاشفًا لمقدار الاستعداد، وحجم التضامن، وعمق الفجوة بين "ما هو قائم" و"ما ينبغي أن يكون".
لقد رأينا كيف يمكن للناس أن ينجوا، ويقاوموا، ويتضامنوا، لكننا رأينا أيضًا كيف تنهار البنى، وتُكشف الثغرات، ويُختبر الصبر.

ربما لن نستطيع منع الزلازل، لكن يمكننا أن نبني مدنًا لا تنهار بسهولة، وأن نربّي أجيالًا لا تخاف بل تستعد.
الزلزال انتهى... لكن المهمة بدأت الآن.

📝 إحصائيات ختامية (حتى تاريخ كتابة هذا التقرير):

  • عدد القتلى المؤكدين: 218
  • عدد المصابين: أكثر من 1700
  • المشردون: 28,000
  • مراكز الإيواء النشطة: 43
  • قيمة الأضرار الأولية: 2.4 مليار يورو
  • فرق الإنقاذ المشاركة: 39 محلية، 12 دولية


تعليقات