خط القنيطرة مراكش فائق السرعة

خط القنيطرة مراكش فائق السرعة 


مشروع القطار الفائق السرعة بين القنيطرة ومراكش: قفزة هندسية، مقامرة اقتصادية، وخط زمني يركض نحو 2030

حين يعلن بلد مثل المغرب، المتوسّط في موارده، عن مشروع بنحو 96 مليار درهم مغربي (أكثر من 10 مليارات دولار)، لمدّ سكة حديدية فائقة السرعة تمتد من القنيطرة إلى مراكش — فإن الأمر لا يمرّ مرورًا عادياً. بل يتطلب التوقف عنده. ليس فقط لفهمه، بل لتفكيكه.

430 كيلومترًا من الحديد، الخرسانة، السيولة، والرؤية. كل هذا يُنسج داخل خطة وطنية تسعى إلى إعادة رسم خريطة التنقل في المغرب. النتيجة؟ قطار يُحلّق أرضًا بسرعة 350 كيلومترًا في الساعة، يربط شمال المملكة بجنوبها في زمن قياسي، ويقلب موازين المسافة.

1. المشروع كما هو… وكما يمكن أن يصبح

خط واحد. أربعة مدن رئيسية. عشرات القرى التي تمر بجانبها السكة دون أن تلمسها. الهدف معلن: تقليص زمن السفر، ربط طنجة بمراكش خلال ساعتين و40 دقيقة فقط، وإنهاء ما كان يومًا ما يُسمى بـ"رحلة طويلة عبر الطريق الوطنية".
لكن هل هو مجرد قطار؟ لا. هو إعلان بأن المغرب ينتمي إلى مستقبل لا ينتظر أحدًا.

2. التمويل: أموال، تحالفات، ومصالح متشابكة

بعض الأبواب لا تُفتح إلا باليورو.
فرنسا دخلت على الخط. صفقة ضخمة: 18 قطارًا من طراز TGV من ألستوم، وصيانة لعقود. مليارا يورو دفعتها الرباط، ودفعتها بثقة.
ثم جاءت إسبانيا، من الجانب الآخر للمتوسط، ومعها كوريا الجنوبية — دول لا تتقاطع فقط في المصالح، بل في السباق نحو ترسيخ نفوذها في القارة السمراء.
النتيجة؟ شراكة هجينة… قد تبدو اقتصادية في ظاهرها، لكن خلف الكواليس، هناك حسابات أعمق.

3. مشروع مجزأ... لكن بإيقاع واحد

الأشطر تتكلم بأسماء شركات: TGCC، STAM، Jet Contractors، GTR. كل شركة تمسك بمقطع من الحلم الحديدي:

  1. TGCC تبني بين برشيد وسطات. الميزانية؟ 2.8 مليار درهم.
  2. STAM، في منعطف التفاف الدار البيضاء، تدخل بسعر 2.4 مليار درهم.
  3. Jet Contractors، في طريقها إلى مراكش النخيل، توقع على مشروع بـ2.1 مليار درهم.
  4. أما GTR، فتخترق المشروع من الشطر الثالث بـ2.15 مليار.

كل مقاولة تكتب سطرًا في ملحمة تتكوّن من آلاف الأطنان من الإسمنت، والأسلاك، والرهانات.

4. المحطات: ليست مجرد أبنية

ما بين كازا سود، ومطار محمد الخامس، إلى النواصر، ثم بنسليمان، وصولًا إلى النخيل في مراكش، سيولد خمس محطات رئيسية.
لكن الجديد ليس فقط في الإسمنت والزجاج، بل في الفكرة: محطات تتحول إلى مراكز جذب عمراني واقتصادي.
الرباط أكدال، بوسكورة، مراكش... كلها ستُعاد هيكلتها لتواكب القطار الجديد، وفي الوقت ذاته، لتُعيد تعريف علاقتها بالمدينة التي تخدمها.

5. التوقيت: سباق مع الزمن

الموعد محدد، والماراثون قد بدأ.
نوفمبر 2023: الإشارة الأولى.
سبتمبر 2028: الموعد النهائي.
خمس سنوات من الحفر، البناء، الحرق اليومي للميزانية والوقت.
نفق الرباط لوحده سيُحفر من مارس 2024 حتى أبريل 2028 — وكأن الزمن هناك يتمدد.
العمليات الهندسية من يونيو 2024 حتى أكتوبر 2027، وكل تأخير يُحسب بالدقيقة، لا بالأيام.

6. ما وراء السرعة: التأثير الحقيقي

مشروع كهذا لا يُقاس فقط بالمسافة والوقت.
يُقاس بتأثيره على الاقتصاد المحلي، بالحراك العقاري حول المحطات، بالمشاريع التي ستُولد فجأة.
مراكش لن تبقى كما كانت، ولا القنيطرة.
وطنجة، تلك التي كانت شبه معزولة زمنيًا عن الجنوب، ستصبح فجأة أقرب من أي وقت مضى.
كأس العالم 2030 على الأبواب؟ نعم. والمغرب يريد أن يكون جاهزًا.
هذا ليس مشروع نقل، بل مشروع عرض عضلات.

7. التحديات: ما لا يُقال

كل مشروع عملاق يحمل في أحشائه مفاجآت.
هل كل الشركات ستحترم المواعيد؟ هل ستسير الأمور بدون تعقيدات إدارية، أو تضارب مصالح، أو تأخيرات بيروقراطية؟
هل ستظل التكلفة في حدودها؟
هل سيحصل سكان المناطق المهمشة على فائدة حقيقية من هذا القطار؟
الأسئلة أكثر من الأجوبة. والمشروع — رغم جاذبيته — لا يزال يمشي على أسلاك دقيقة.

في النهاية...

ما يفعله المغرب ليس مجرّد تطوير بنيات.
هو تصحيح لفكرة قديمة: أن الوقت لا يُشترى.
لكن، ربما، بسكة واحدة، بسرعة 350 كم/س، يُمكن على الأقل استعادته.


تعليقات