عيد الشغل 2025: العامل بين آلة الذكاء الاصطناعي وضغوط العيش
الخميس، 1 مايو 2025
المقدمة
الأول من مايو.
تتوقف الآلات. يُغلق البريد. تُطوى الملفات مؤقتًا.
لحظة قصيرة، لكنها محمّلة بثقل سنوات من العرق، الإضرابات، والفواتير المؤجلة. هذا اليوم ليس احتفالًا بالورود، بل بالتعب. هو عيد الشغل.
ومع ذلك... ما معنى “العامل” في 2025؟ هل هو ذاك الذي تلطخ يديه الشحم؟ أم ذاك الذي يدوّن شيفرة برمجية تُقصي آلاف الوظائف في صمت؟
تتغير اللغة، تتغير الأدوات. لكن سؤالًا واحدًا يبقى يقرع: هل بقي مكانٌ للإنسان في منظومة باتت تميل إلى كفاءة الحديد وبرودة الخوارزمية؟
الفصل الأول: الجذور—دمٌ تحت عجلات الماكينة
عيد العمال ليس اختراعًا ناعمًا.
في شيكاغو، عام 1886، لم يكن هناك هاشتاغ. كان هناك شوارع. صراخ. رصاص.
العمال لم يطلبوا امتيازًا، بل ثماني ساعات من العمل، وثماني للراحة، وثماني للعيش.
لكن النظام الصناعي حينها لم يكن يمزح. فسقط قتلى، وولدت فكرة.
من تلك اللحظة، صار الأول من مايو ذاكرة حمراء: تذكارًا للحرق في سبيل الإنصاف.
ومع مرور الوقت، امتد العيد. عبر القارات، عبر الأيديولوجيات. في بعض البلدان، صار رمزًا للمقاومة. في أخرى، مجرد خطاب وزاري باهت يُلقى من شرفة عالية.
الفصل الثاني: العامل بين المطرقة والسوق
في 2025، العامل يشبه الماء—يتحول شكله حسب الإناء.
ربما هو مبرمج في طوكيو، أو راider على دراجة في القاهرة.
ورغم اختلاف السياقات، يظل الشعور واحدًا: الضغط.
دعنا نواجه الحقائق بلا مكياج:
- الأجور؟ لا تصعد بسرعة المعيشة. لا تلحق بها. بالكاد تلاحق الظل.
- العقود؟ هشة. مرنة لدرجة أن الريح تُسقطها.
- النقابات؟ تعاني من الشلل أو التهميش، أو تمارس التفاوض كطقس لا كتغيير.
- القلق؟ حاضر. متخم. مزمن. شاشة، تقييم، إنتاج. ثم إعادة من البداية.
ليس الأمر فقط اقتصاديًا. إنه وجودي. هل نحن موظفون؟ أم مجرد "بيانات إنتاج" يمكن حذفها؟
الفصل الثالث: الذكاء الاصطناعي... حين تحلّ الآلة محلّك
قبل سنوات، كان الذكاء الاصطناعي مادة في فيلم خيال علمي.
اليوم، هو الزميل الجديد، الرخيص، السريع، غير المُرهق.
ملايين الوظائف تتبخر. بوت دردشة يحل محل مراكز خدمة العملاء. خوارزمية تحل محل فريق تسويق. كود برمجي يكتب تقارير كنتَ تُنجزها في أسبوع.
فهل هذا يعني أن الإنسان خارج اللعبة؟ لا.
لكن عليه أن يتعلم قواعد جديدة بسرعة مذهلة.
ففي الماضي، كانت لديك سنوات للتكيّف. اليوم، لديك شهور، أو أقل.
ما الحل؟ لا بالإنكار، ولا بالاستسلام.
نحتاج:
- تعليمًا مرنًا لا جامدًا.
- تدريبًا مستمرًا لا موسميًا.
- تشريعات ذكية، تعترف بحق العامل لا فقط بكفاءة الأداة.
الفصل الرابع: العمل اللائق... حلم تتساقط أطرافه
كلمة "لائق" تُوحي بالأمان، بالكرامة، بالبساطة.
لكن الواقع صاخب، معقد، مرير.
في كثير من الدول، العمل اللائق صار رفاهية. ترفًا.
ماذا يعني "عمل لائق" اليوم؟
- أن تكون لديك وظيفة تكفيك لا تكسرك.
- ألا تضطر للاختيار بين الطعام والدواء.
- أن لا تخشى أن يُطردك روبوت.
- أن تُعامَل كإنسان لا ككود QR.
في العالم العربي، الصورة مضاعفة التعقيد.
شباب على الأرصفة. نساء مقصيات من السوق. عمال مهاجرون بلا حماية.
هل هذه سوق؟ أم فوضى مقنّعة باسم الاقتصاد المرن؟
الفصل الخامس: هل آن أوان إعادة اختراع عيد الشغل؟
السؤال ليس شاعريًا. إنه ضرورة.
إن بقي عيد العمال محصورًا في خطب روتينية أو فعاليات رمزية، فقد روحه.
البديل؟ أن نُعيد لهذا اليوم وظيفته الأساسية: المساءلة.
- لنفكر مجددًا في النقابات... لا كأطر بيروقراطية، بل كصوت جماعي يصرخ في وجه التجاهل.
- لنربط الإنتاج بالعدالة، لا فقط بالأرباح.
- لنضع الإنسان في صميم التكنولوجيا، لا خلفها كضحية.
قد يكون الأول من مايو مساحة للحلم، نعم، لكنه أيضًا لحظة لوضع النقاط على حروف مهترئة.
الخاتمة
الأول من مايو 2025.
نُطفئ الحواسيب. نضع المطارق. نُسكت الضجيج. ثم نُفكر.
هل نعمل لنعيش؟ أم نعيش لنُستهلك؟
هل يمكننا—وسط هذا الانفجار الرقمي، الاقتصادي، النفسي—أن نُعيد صياغة سؤال بسيط:
ما قيمة الإنسان في منظومة لا ترى سوى الإنتاج؟
ربما لن نجد كل الإجابات اليوم. لكننا—على الأقل—سألنا الأسئلة الصحيحة.