نبض الأرض ورنين الأمل  EARTH DAY 

community litter & planting trees

تنفجر في الأفق همسات الأرض لتوقظنا من غفلتنا، فجسد الكوكب يهتز صدىً لكل خطوة نخطوها فيه عينٌ ترقب تصرفاتنا وتترقب بقايا الأمل في أعماقها. أحياناً نصحو على مشهد شابٍ يغرس شجرةً وسط الرمال، وأحياناً نستسلم أمام شاشة تذكّرنا بخطر الانقراض والحرارة اللاهبة.

حين نعود بالذاكرة إلى زمن الاحتفال الأول، نجد حسّ الجماعة اختلط بالشغف حين رفع ناشطون صوتهم للمطالبة ببيئة أنظف وسماء أكثر صفاءً. ومع الوقت امتدت هذه الفكرة إلى أصقاع الأرض، فجرى الاحتفاء بها في كل بقعة يكسوها الخضار أو يظللها سحاب.

يمكن أن نتساءل في لحظة تأملٍ هل كان يوم الأرض حدثاً عابراً أم ميلاد وعيٍ جديد يتغلغل إلى وجد الإنسان ويوقظه على صرخة البحر ونحيب الغابات؟ سؤالٌ بلا إجابة واحدة، لأن كل منا يرسم رابطته مع الطبيعة بلونه الخاص: يرسمها بحب أو بأسف أو بحنين إلى زمن بدا فيه التوازن أسهل.

المشاكل اليوم تعلو كالطوفان بعد انصهار الأنهار الجليدية وتكتل الغازات الخانقة في طبقات الجو. التربة تنزف من جراء الإفراط في المبيدات وأساليب الزراعة القاسية، والأنهار تئن تحت وطأة البلاستيك ورفاقه من نفاياتٍ لا تعرف الحدود.

غير أن زمن الاستدامة ينبثق كفجرٍ جديد يُعيد لنا الأمل. الفكرة ليست عبثاً أو شعاراً يتردد في الفضاء بلا تنفيذ، بل هي مدار يومي نتبناه في أفعالنا الصغيرة. نزرع غرسة في فناء المنزل، نقلل من رشفة الماء، نعطي الأولوية للمراكب الصامتة أو الأقدام عن الطرقات المزدحمة.

وعلى نطاق أوسع تصطف الجمعيات والمبادرات في ساحات المدن والقرى، تحمل كل منها أدواتها بين ورشة عمل وفيلم بيئي وقصة تحكيها بلغة الفن. تلك اللغة العفوية تثير التساؤل وتدفع نحو تغيير تعاملنا مع كل قطرة هواء، ومع كل قطرة ماء، بل ومع كل نفس نخرجه.

لا يمكن تجاهل دور التقنية وقدرتها على الرصد والتحليل. فالأقمار الصناعية ترسل لنا خرائط حرارةٍ بالألوان الصاخبة، وتطبيقات ذكية تقيس جودة الهواء وكيمياء المياه فتتيح لصانعي القرار خريطة طريقٍ أكثر دقة. لقد صار في وسعنا اليوم تتبع نبض الأرض كما نتابع نبضنا في ساعاتٍ ذكية.

ويبقى يوم الأرض فرصة للتأكيد على أن الإنسان لن يكون آمناً ما لم ينصت للبيئة ويعاملها كضيفةٍ عزيزة أو كأمٍ رحيمة. ففي كل زفرة رملية، وكل خفقة زخات المطر، تكمن دعوة صامتة للرحمة والتعايش. فلتتحول هذه الدعوة من تاريخ نحتفل به مرةً في السنة إلى نبضٍ يوميّ يمنح الأرض فرصة لاستعادة توازنها، ويمنحنا فرصة لنعيش حقاً.

تعليقات